فصل: ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة خمس وعشرين وستمائة

في هذه السنة أرسل الملك الكامل صاحب مصر يطلب من ابن أخيه الملك الناصر داود ابن الملك المعظم صاحب دمشق حصن الشوبك فلم يعطـه الملـك الناصـر ذلـك ولا أجابـه إليـه فسـار الملك الكامل من مصر في هذه السنة في رمضان إلى الشام ونزل على تل العجول بظاهر غزة وولى على نابلس والقدس وغيرهما من بلاد ابن أخيه الملك الناصر داود المذكـور صاحـب دمشـق حينئـذ وكـان صحبـة الملـك الكامـل الملـك المظفر محمود ابن السلطان الملك المنصور صاحب حماة وهو موعود من الملك الكامل أنه ينتزع حماة من أخيه الناصر قليج أرسلان ابن الملك المنصور ويسلمها إليه ولما قصد الملك الكامل انتزاع بلاد الملك الناصر ابن المعظم صاحب دمشق استنجد الناصر داود بعمه الملك الأشرف وأرسل إليه وهو ببلاده الشرقية فقدم الملك الأشرف إلى دمشق ودخل هو والناصر داود إلى قلعة دمشق راكبين قال القاضي جمال الدين بن واصل‏:‏ كنت إذ ذاك حاضراً بدمشق ورأيت الملـك الأشـرف راكبـاً مع ابن أخيه وعلى رأس الملك الأشرف شاش علم كبير ووسطه مشدود بمنديل وكان وصول الأشرف إلى دمشق في العشر الأخير من رمضان من هذه السنة ووصل إلى خدمته بدمشق الملك المجاهد شركوه فإنه كان من المنتمين إلى الملك الأشرف ثم وقع الاتفاق أن يسير الناصر داود وشيركوه مع الملك الأشرف إلى نابلس فيقيم الناصر داود بنابلس ويتوجـه الملـك الأشـرف إلـى أخيـه الكامـل إلـى غـزة شافعاً في ابن أخيهما الناصر داود ففعلوا ذلك ولما وصل الملك الأشرف إلى أخيه الكامل وقع اتفاقهما في الباطن على أخذ دمشق من ابن أخيهما الناصر داود وتعويضه عنها بحران والرها والرقـة مـن بلـاد الملـك الأشـرف وأن تستقـر دمشق للملك الأشرف ويكون له إلى عقبة أفيق وما عدا ذلك من بلاد دمشق يكون للملك الكامل وأن ينتزع حماة من الملك الناصر قليج أرسلان ويعطي الملك المظفر محمود ابن الملـك المنصور وأن ينتزع سلمية من المظفر محمود وكانت إقطاعه لما كان مقيماً بمصـر عنـد الملـك الكامل ويعطي لشيركوه صاحب حمص وخرجت السنة والأشرف عند أخيه الكامل بظاهر غزة وقد اتفقا على ذلك‏.‏

ذكر غير ذلك وفـي هـذه السنـة عـاود التتـر إلى قصد البلاد التي بيد جلال الدين بن خوارزم شاه وجرت بينه وبينهم حروب كثيرة كان في أكثرها الظفر للتتر‏.‏

وفيها قدم الإمبراطور إلى عكا بجموعه وكان الملك الكامل قد أرسل إليه فخر الديـن ابـن الشيخ يستدعيه إلى قصد الشام بسبب أخيه المعظم فوصل الإمبراطور وقد مـات المعظـم فنشـب بـه الملـك الكامـل ولما وصل الإمبراطور استولى على صيدا وكانت مناصفة بين المسلمين والفرنج وسورها خراب فعمر الفرنج سورها واستولوا عليها والإمبراطور معناه‏:‏ ملك الأمراء بالفرنجية‏.‏

وإنما اسم الإمبراطور المذكور فرديـك‏.‏

وكـان صاحـب‏.‏

جزيـرة صقليـة ومـن البـر الطويل بلاد أنبولية والأنبردية‏.‏

قال القاضي جمال الدين بن واصل‏:‏ لقد رأيت تلك البلاد لمـا توجهت رسولاً من الملك الظاهر بيبرس الصالحي إلى الإمبراطور ملك تلك البلاد‏.‏

قال‏:‏ وكان الإمبراطور من بين ملوك الفرنج فاضلاً محباً للحكمة والمنطق والطب مائلاً إلى المسلمين لأن منشأه بجزيرة صقلية وغالب أهلها مسلمون وترددت الرسل بين الملك الكامل وبين الإمبراطور إلى أن خرجت هذه السنة‏.‏

وفي هذه السنة بعد فراغ جلال الدين من التتر قصد جلال الدين المذكور بلاد خلاط ونهب القرى وقتل وخرب البلاد وفعل الأفعال القبيحة‏.‏

وفيها خاف غياث الدين تيزشاه من أخيه جلال الدين ففارقه واستجار بالإسماعيلية‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وعشرين وستمائة

ولما جرى بين السلطان الملك الكامل وبين أخيه الملك الأشرف الاتفاق على نزع دمشق من الناصر داود بلغ الناصر داود ذلك وهو بنابلس فرحل إلى دمشق وكان قد لحقه بالغور عمه الملك الأشرف وعرفه ما أمر به عمه الملك الكامل وأنه لا يمكنه الخروج عن مرسومـه فلـم يلتفـت الناصـر داود إلـى ذلـك وسـار إلـى دمشـق وسـار الأشـرف فـي إثـره وحصره بدمشق والملك الكامل مشتغل بمراسلة الإمبراطور ولما طال الأمر ولم يجد الملك الكامل بداً من المهادنة أجاب الإمبراطور إلى تسليم القدس إليه علـى أن تستمـر أسواره خراباً ولا يعمرها الفرنج ولا يتعرضوا إلى قبة الصخرة ولا إلى الجامع الأقصى ويكون الحكـم في الرساتيق إلى والي المسلمين ويكون لهم من القرايا ما هو على الطريق من عكا إلى القـدس ووقـع الاتفـاق على ذلك وتحالفا عليه وتسلم الإمبراطور القدس في هذه السنة في ربيع الآخـر علـى هـذه القاعـدة التـي ذكرناهـا وكـان ذلـك والملـك الناصـر محصـور بدمشـق وعمه الأشرف محاصره بأمر الملك الكامل فأخذ الناصر داود في التشنيع على عمـه بذلـك وكـان بدمشق الشيخ شمس الدين يوسف سبط أبي الفرج ابن الجوزي وكان واعظاً وله قبول عند الناس فأمره الناصر داود بعمل مجلس وعظ يذكر فيه فضائل بيت المقدس وما حل بالمسلمين من تسليمه إلى الفرنج ففعل ذلك وكان مجلساً عظيماً ومن جملة ما أنشد قصيدة تائية ضمنها بيت دعبل الخزاعي وهو‏:‏ فارتفع بكاء الناس وضجيجهم‏.‏

ذكر انتزاع دمشق ولما عقد الملك الكامل الهدنة مع الإمبراطور وخلا سره مـن جهـة الفرنـج سـار إلـى دمشـق ووصل إليها في جمادى الأولى من هذه السنة واشتد الحصار على دمشق ووصل إلى الملك الكامل رسول الملك العزيز صاحب حلب وخطـب بنـت الملـك الكامـل فزوجـه بنتـه فاطمـة خاتـون التـي هي من الست السوداء أم ولده أبي بكر العادل ابن الملك الكامل ثم استولى الملك الكامل على دمشق وعوض الناصـر داود عنهـا بالكـرك والبلقـاء والصلـت والأغـوار والشوبـك وأخـذ الملـك الكامـل لنفسـه البلـاد الشرقيـة التـي كانـت عينـت للناصـر وهي حران والرها وغيرهما التي كانت بيد الملك الأشرف ثم نزل الناصر داود عن الشوبك وسأل عمه الكامل في قبولها فقبلها وتسلم دمشق الملك الأشـرف وتسلـم الكامـل مـن الأشـرف البلـاد الشرقيـة المذكورة‏.‏

ذكر وفاة الملك المسعود صاحب اليمن ابن الملك الكامل ابن الملك العادل بن أيوب‏:‏ في هذه السنة توفي الملك المسعود يوسف الملقب أطسز المعروف باقسيس‏.‏

وكان قد مرض باليمن فكره المقام بها وعزم على مفارقة اليمن وسار إلى مكة وهي له كما تقدم ذكره فتوفي بمكة ودفن بالمعلى وعمره ست وعشرون سنة وكانت مدة ملكه اليمن أربع عشرة سنة وكان الملك المسعود لما سار من اليمن قد استخلف على اليمن علي بن رسلول وسنذكـر بقيـة أخباره إن شاء الله تعالى ووصل الخبر بوفاة الملك المسعود إلى أبيه الملك الكامل وهو على حصار دمشق فجلس للعزاء وخلف الملك المسعود ولداً صغيـراً اسمـه أيضـاً يوسـف وبقـي يوسف المذكور حتى مات في سلطنة عمه الملك الصالح أيوب صاحب مصر وخلف يوسف ولـداً صغيـراً اسمـه موسـى ولقب الملك الأشرف وهو الذي أقامه الترك في مملكة مصر بعد قتل الملك المعظم ابن الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر القبض على الحاجب علي نائب الملك الأشرف بخلاط وقتله‏:‏ وفـي هـذه السنـة أرسـل الملك الأشرف مملوكه عز الدين أيبك الأشرفي وهو أكبر أمير عنده إلى خلاط فقبض على الحاجب علي الموصلي وحبسه ثم قتله وكان حسام الدين علي الحاجب المذكـور مـن أهـل الموصـل وخـدم الملـك الأشـرف فجعلـه نائبه بخلاط فأحسن إلى الرعية وحفظ البلد واستولى على عدة بلاد من أذربيجان مثل نقجوان وغيرها على ما تقدم ذكره فقبـض عليـه الملـك الأشرف وقتله قيل أن ذلك لذنب منه لم يطلع عليه الناس وأطلع عليه الملك الكامل والملك الأشرف وهذا الحاجب حسام الدين المذكور كان كثير الخير والمعروف بنـى الخان الذي بين حـران ونصيبيـن وبنـى الخـان الـذي بيـن حمـص ودمشـق وهـو الخـان المعـروف بخـان بريـح العطش وهرب مملوك لحسام الدين الحاجب المذكور لما قتل أستـاذه ولحـق بجلـال الديـن فلمـا ملك جلال الدين خلاط على ما سنذكره قبض على أيبك المذكور وسلمه إلى المذكور فقتله وأخذ بثأر أستاذه‏.‏

الاستيلاء على حماة ذكر استيلاء الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمد على حماة‏:‏ ولما سلم الملك الكامل دمشق إلى أخيه الملك الأشرف سـار مـن دمشـق ونـزل علـى مجمـع المروج ثم نزل سلمية وأرسل عسكراً نازلوا حماة وبها صاحبها الملك الناصر قليج أرسلان وكان فيه جبن ولو عصى بحماة وطلب عنها عوضاً كثيراً لأجابه الملك الكامل إليه ولكنه خاف وكان في العسكر الذين نازلوه شيركوه صاحب حمص فأرسل الناصر صاحب حمـاة يقول لشيركوه إني أريد أن أخرج إليك بالليـل لتحضرنـي عنـد السلطـان الملـك الكامـل وخـرج الملك الناصر قليج أرسلان ابن الملك المنصور محمـد ابـن الملـك المظفـر تقـي الديـن عمـر بـن شاهنشاه بن أيوب المذكور إلى شيركوه في العشر الأخير مـن رمضـان هـذه السنـة وأخـذه شيركوه ومضى به إلى الملك الكامل وهو نازل على سلمية فحيـن رأى الملـك الكامـل قليـج أرسلان المذكور شتمه وأمر باعتقاله وأن يتقدم إلى نوابـه بحمـاة بتسليمهـا إلـى الملـك الكامـل فأرسل الناصر قليج أرسلان علامته إلى نوابه بحماة أن يسلموها إلى عسكر السلطان الملك الكامل فامتنع من ذلك الطواشيان بشر ومرشد المنصوريان وكان بقلعة حماة أخ للملك الناصر يلقب الملك المعز ابن الملك المنصور صاحب حماة فملكوه حماة وقالوا للملك الكامل‏:‏ لا نسلم حماة لغير أحد من أولاد تقي الدين فأرسل الملك الكامل يقول للملك المظفر محمود ابن الملك المنصور صاحب حماة اتفق مع غلمان أيبك وتسلم حماة وكان الملك المظفر نازلاً على حماة من جملة العسكر الكاملي فراسل الملك المظفر الحكام حماة فحلفوا له وواعدوا الملك المظفر أن يحضـر بجماعتـه خاصـة وقـت السحـر إلـى باب النصر ليفتحوه له فحضر الملك المظفر سحر الليلة التي عينوها ففتحوا له باب النصر ودخل الملك المظفر ومضى إلى دار الوزير المعروفة بدار الأكرم داخل باب المغار وهي الآن مدرسة تعرف بالخاتونية وقفتها عمتي مؤنسة خاتون بنت الملك المظفر المذكور وحضر أهل حماة وهنوا الملك المظفر بملك حماة وكان ذلك في العشر الأخيـر من رمضان من هذه السنة وكان مدة ملك الملك الناصر قليج أرسلان حماة تسع سنين إلا نحو شهرين وأقام الملك المظفر في دار الأكرم يوميـن وصعـد فـي اليـوم الثالـث إلـى القلعـة وتسلمها وجاء عيد الفطر من هذه السنة والملك المظفر مالك حماة وعمره يومئذ نحو سبـع وعشريـن سنة لأن مولده سنة تسع وتسعين وخمسمائة‏.‏

وكان أخوه الملك الناصر قليج أرسلان أصغر منه بسنة ولما ملك الملك المظفر حماة فوض تدبير أمورها صغيرها وكبيرها إلى الأمير سيف الدين علي الهدباني وكان سيف الدين علي بن أبي علي المذكور قـد خـدم الملـك المظفـر بعـد ابن عمه حسام الدين ابن أبي علي الذي كان نائب الملك المظفر بسلمية لما سلمت إليه وهو بمصر عند الملك الكامل‏.‏

ثـم حصـل بين الملك المظفر وبين حسام الدين بن أبي علي وحشة ففارقه حسام الدين المذكور واتصل بخدمة الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل وحظي عنـده وصـار أستـاذ داره وخدم ابن عمه سيف الدين علي المذكور الملك المظفر وكان يقول له‏:‏ أشتهـي أن أراك صاحب حماة وأكون بعين واحدة فأصيبت عين سيف الدين علـي علـى حصـار حمـاة لمـا نازلها عسكر الملك الكامل وبقي بفرد عين فحظي عند الملك المظفر لذلك ولكفاية سيف الديـن المذكور وحسن تدبيره‏.‏

ولما استقر الملك المظفر في ملك حماة انتزع الملك الكامل سلمية منه وسلمها إلى شيركوه صاحب حمص على ما كان وقع عليه الاتفاق من قبل ذلك ثم إن الملك الكامل رسم للملك المظفر أن يعطي أخـاه الملـك الناصـر قليـج أرسلـان باريـن بكمالهـا فامتثل لذلك وسلم قلعة بارين إلى أخيه الملك الناصر ولم يبق بيد الملك المظفر غير حماة والمعرة وكان بحماة تقدير أربعمائة ألف درهم للملك الناصـر وكـان قـد رسـم الملـك الكامـل للملك المظفر أن يعطي المال المذكور أخاه الملك الناصر فماطل المظفر فـي ذلـك ولـم يحصـل للملك الناصر من ذلك شيء ولما استقر الملك المظفر بحماة مدحه الشيخ شرف الدين عبد العزيز محمد بن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي بقصيدة من جملتها‏:‏ تناهى إليك الملك واشتد كاهله وحل بك الراجي فحطت رواحله ترحلت عن مصر فأمحل ربعها ولما حللت الشام روض ما حله وعزت حماة في حمى أنت غابه بصولته تحمى كليب ووائله وقد طال ما ظلت بتدبير أهوج يخيب مرجيه ويحرم سائله ولما استقر الملك المظفر في ملك حماة رحل الملك الكامل عن سلمية إلى البلاد الشرقية التي أخذهـا مـن أخيـه الملـك الأشـرف عوضـاً عـن دمشـق فنظر في مصالحها ثم سافر الملك المظفر من حماة ولحق الملك الكامل وهو بالشرق عقد له الملك الكامل العقد هنـاك علـى ابنتـه غازيـة خاتـون بنـت الملـك الكامـل وهـي شقيقـة الملـك المسعـود صاحـب اليمن وهي والدة الملك المنصور صاحب حماة وأخيه الملك الأفضل نور الدين علي ابني الملك المظفر محمود ثم عاد الملك المظفر إلى حماة وقد قضيت أمانيه بملك حماة ووصلته بخاله الملك الكامل كان يتمنى ذلك لما كان بالديار المصرية وكان يصحبه وهو بمصر رجل من أهلها يقال له الزكي القومصي فاتفق وهما بمصر وقد جرى ذكر ملك الملك المظفر حماة وزواجه بنت خاله الملك الكامل فأنشده الزكي القومصي‏:‏ متى أراك كما أهوى وأنت ومن تهوى كأنكما روحان في بـدن هناك أنشد والأقـدار مصغيـة هنيت بالملك والأحباب والوطن فقال له الملك المظفر‏:‏ إن صار ذلك يا زكي أعطيتـك ألـف دينـار مصريـة فلمـا ملـك الملـك المظفر حماة أعطى الزكي ما وعده به ولما فرغ الملك الكامل من تقرير أمر البلاد الشرقية وهي حران وما معها من البلاد مثل رأس عين والرها وغير ذلك عاد إلى الديار المصرية‏.‏

وفي هذه السنة أرسل الملك الأشرف أخاه صاحب بصرى الملك الصالح إسماعيل ابن الملك العـادل بعسكـر فنـازل بعلبك وبها صاحبها الملك الأمجد بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه ابن أيوب واستمر الحصار عليه‏.‏

وفيها سار جلال الدين ملك الخوارزمية وحاصر خلاط وبها أيبك نائب الملك الأشرف إلى أن خرجت هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وعشرين وستمائة

ذكر عمارة شميميش فـي هـذه السنـة شـرع صاحـب حمـص شيركوه في عمارة قلعة شميميش وكان لما سلم إليه الملك الكامل سلمية قد استأذنه في عمارة تل شميميش قلعـة فـأذن لـه بذلـك ولمـا أراد شيركـوه عمارته أراد الملك المظفر صاحب حماة منعه من ذلك ثم لم يمكنه ذلـك لكونـه بأمـر الملـك الكامل‏.‏

ذكر استيلاء الملك الأشرف على بعلبك وفـي هـذه السنـة سلـم الملـك الأمجـد بهـرام شـاه لـن فرخشـاه بـن شاهنشاه بن أيوب بعلبك إلى الملك الأشرف أطول الحصار عليه وعوضه الملك الأشرف عنها الزبداني وقصير دمشق الذي هو شماليها ومواضع أخر وتوجه الملك الأمجد وأقام بداره التي داخل باب النصر بدمشق المعروفة ذكر مقتل الملك الأمجد لمـا أخذت منه بعلبك ونزل بداره المذكورة كان قد حبس بعض مماليكه في مرقد عنده بالدار وجلس الملك الأمجد قدام باب المرقد يلعب بالنرد ففتح المملوك المذكور الباب ومعه سيف وضـرب بـه أستـاذه الملك الأمجد فقتله ثم طلع المملوك إلى سطح الدار وألقى نفسه إلى وسطها فمات ودفن الملك الأمجد بمدرسة والده التي على الشرف وكانت مدة ملكـه بعلبـك تسعـاً وأبعيـن سنة لأن عم أبيه السلطان الملك الناصر صلاح الدين ملكه بعلبك سنة ثمان وسبعين وخمسمائة لما مات أبوه فرخشاه وانتزعت منه هذه السنة فذلك خمسون سنة إلا سنة وكان الملك الأمجد أشعر بني أيوب وشعره مشهور‏.‏

ذكر ملك جلال الدين خلاط في هذه السنة لما طال حصار جلال الدين على خلاط واشتد مضايقتها هجمها بالسيـف وفعـل فـي أهلهـا مـا يفعلونـه التتـر من القتل والاسترقاق والنهب ثم قبض على نائب الملك الأشرف بها وهو مملوكه أيبك وسلمه إلى مملوك حسام الدين الحاجب علي الموصلي فقتله وأخذ بثأر أستاذه‏.‏

ذكر كسرة جلال الدين من الملك الأشرف ولما جرى من جلال الدين ما جرى من أخذ خلاط اتفق صاحب الروم كيقباذ بن كيخسرو ابن قليج أرسلان والملك الأشرف ابن الملك العادل فجمع الملك الأشرف عساكر الشام وسار إلى سيواس واجتمع فيها بملك بلاد الروم علاء الدين كيقباذ المذكور وسار إلى جهة خلاط والتقـى الفريقـان في التاسع والعشرين من رمضان من هذه السنة فولى الخوارزميون وجلال الدين منهزمين وهلك غالب عسكره قتلاً وتردياً من رؤوس جبال كانت في طريقهم وضعف جلال الدين بعدها وقويت عليه التتر وارتجع الملك الأشرف خلاط وهي خراب يباب ثم وقعت المراسلة بين الملك الأشرف وكيقباذ وجلال الديـن وتصالحـوا وتحالفـوا علـى مـا بأيديهـم وأن لا يتعرض أحد منهم إلى ما بيد الآخر‏.‏

وفي هذه السنة استولى الملك المظفر غازي ابن الملك العادل على أرزن من ديار بكر وهي غير أرزن الروم وكان صاحب أرزن ديار بكر يقال له حسام الدين من بيت قديم في الملك فأخذها منه الملك المظفر غازي المذكور وعوضه عن أرزن بمدينة حاني وهذا حسام الدين من بيت كبير يقال لهم بيـت الأحـدب وأرزن لـم تـزل بأيديهـم مـن أيـام السلطـان ملـك شـاه السلجوقي إلى الآن فسبحان من لا يزول ملكه‏.‏

وفيها جمعت الفرنج من حصن الأكراد وقصدوا حماة فخرج إليهم الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور صاحب حماة والتقاهم عند قرية بين حماة وبارين يقال لها أفيـون وكسرهـم كسـرة عظيمة ودخل الملك المظفر محمود حماة مؤيداً منصوراً‏.‏

وفيهمـا ولد الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز صاحب حلب

  ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وستمائة

والسلطان الملك الكامل بديار مصر وأخوه الملك الأشرف بدمشـق فـي ملـاذه وقـد تخلى عن البلاد الشرقية فإن حران وما معها صارت لأخيـه الملـك الكامـل وخلـاط صـارت خرابا يباباً ولم يكن للملك الأشرف ابن ذكر فاقتنع بدمشق واشتغل باللهو والملاذ‏.‏

وفيها سار الملك الأشرف من دمشق إلى عند أخيه الملك الكامل وأقام عنده بالديار المصرية متنزهاً‏.‏